Friday, December 7, 2007

أحلام القادم وأخطائه اللذيذة


ثلاث سنوات من الحيرة والدهشة ثلاث سنوات هي عمر غيابي عن الجميع
أحسست فيهم أن العمر إنقضى وأن الحياة تجمدت في ظل برود قاس تعلمت أبجديته في مدارس البلادة الإغترابية تعودت يومياً على أتحسس الشقوق التي انتصبت فوق جلدي فأصابت فيه طولاً وعرضاً ولكم عشقت مناداة السعال لتبغي في ليالي الصقيع التي شعرت فيها ببزوغ علاقات مشبوهة ما بين تبغي وفنجان القهوة الصباحي عشقت الألم في جنبات صمت مشهدي الإغترابي طيلة سنين ثلاث هي عمري الذي إرتضيته قدراً وصاغه العالم من حولي وجوباً عدت في تلك الليلة لذكريات باتت أشباحها معي ظلالاً باهتة حتى القدرة على العيش لم تعد في الإمكان الإختياري ولكنني عدت لذكرياتي في حللها الباهتة وأخراها المضببة لأجدني طفلاً متكئاً على تلك البقعة الخضراء يشخص في صفحة الماء وكأنه الإلهام الحائر في حدقته حدقة طفل يحاول أن يناهض ثوراته برميه لجمراته في عمق البحر ويبحث عن ردود فعل مائية تغير من مسارات الدوائر لتستحيل لأشكال هندسية أخرى غير التي ألفها.
كان عمري حينئذٍ لم يتعدى العاشرة ولكني تأكدت يقيناً أنني لم أعد ذلك الفتى الغر الذي يحلم بأن يخبو برجولته المصطنعة في ظل أنفاس سيجارة مسروقة من علبة والده.
ثم إن أفقت ووالدتي تعيد إليَ ذاكرتي المفقودة في محاولة منها لتذكيري بمن مات ومن تزوج وبعض ممن أنجب!! أحسست لأول مرة أن قرون الغربة الثلاث التي عشتها بعيداً أقل في نتائجها من ثلاث ليالي في بلدتي!!
أبداً لم يمسسني لهيب القبلية قبلاً لكنني أستطيع أن أصل إلى رائحة عنصرية وليدة في جنباتي أتخيلها ولا أراها أظنها الوجد فتستحيل خرافة أهرب بها من أنصاف الحقائق لأجدها تأخذني إلى عالمي الأسطوري الأول والدي بجلبابه الأبيض المميز وحوله باقي عائلتي أقصد عشيرتي متأهبة لنزال أو خوض نميمة وأجيئُ في خلستي ممتطياً حصان الحلوى لأغازل طرقات قد تبدو في حديث لجدتي أو تهكم ممشوق لجدي عذوبة أيام ولت وضاعت معها وفيها شقوق الأمال العراض التي إرتجيتها لأيامي الأولى في محاولاتي اليائسة لصنع طرق جديدة كنت إلى ما جاءت أمي بصينية الشاي المرتبة أجول في هذا الزمن المضبب والمضني في تذكره لعلي أنجح في الظفر بحلم من أحلامي الخالصة البيضاء التي تحمل رائحة البكورية في أزمنة الزنا أحاول جاهداً مراراً وتكراراً الغوص في بداياتي لا لأنبشها بل لأستطيع أن أتلقف روائحي البديهية التي تجعل من النوايا الطبية مهداً لجحيم يومي الآني ولهيب لحظاتي الجسام التي أحياها بعيداً عن مهدي الأول وضعت أمي بكوب الشاي أمامي ولم ألحظها إلا أنني تنبهت لها بعد أن إستطعت من لمح البخار المتصاعد من فوهة الكوب الزجاجي الشفاف ودوامات الشاي تعصر الباقي من ذاكرتي لتعود بي إلى منزلنا في الحي القديم وروائح الفضولية الخالصة التي طالما رمت بي في أحضان الكوارث رمياً إندفاعياً أكالاً واستوحشت فيَ الرغبات العارمات في تلخيص علاقاتي وتخليصها من شوائبها البدائية ولكني لم أستطع أن أواري إحساسي بأول قبلة مختلسة في مدخل منزل ليلى زميلتي بالكُتَاب وتقاطرت على شفتاي حبات من ثلج اللوع والخجل وتحشرجت في حلقي نبرات من الإستنكار الممزوج بالرغبة في إستكمال الخطأ اللذيذ ولذلك أدرك اليوم ولأول مرة من وسط غربتي ومن قلب بحر أحداثي أنني أسبح باتجاه غير معلوم وأجد أن هدفي ومرامي ليس أمامي بل تحتي لربما رغبة مني في أن أغرق غرقاً يلطف من هوس وصخب الأحداث التي وارتني في إختزال لركام تاريخي أشعر بيد والدي تربت على كتفي ليوقظني من غفلة كنت بها شارداً إلى هنا أدركت أنني أترك بابي وأرحل من منزلنا في رحلة إلى جارتنا تلك الجارة التي طالما عذبتني بعدم الفهم لا أفهمها ولا تحاول أن تعطيني مفاتيحها كان إبنها الأكبر فتحي قد بلغ الثامنة عشر من عمره عندما وقعت عليه عيني في ذلك اليوم وكنت قد تركته وأنا أعتقد أنه مازال في التسع الأوائل فَرِحتُ بلقائه المفعم بالقبلات على وجنتيَ عانقته بُغية إكتشاف حرارة تلك القوم لكنه رسب بتفوق في إعلان الدفء وكأن النساء في عشيرتي قد حرمن من توريث الأبناء محاسنهن!!
إحتضنت دهشتي المغلفة بحرماني وارتحلت أشد أزري نحو منزلنا العامر مرة أخرى كان الطريق إلى منزلنا يشبه درباً حربياً خال من الجنود عدا رجلان تهادت لهما فكرة هي الأكثر شيوعاً وانتشاراً في بلدتنا أن يقتحما خصوصية الطريق وينبشون في أعراض وسير الجميع صحبني في طول الرحلة ألى منزلنا عبر الممر الضيق سعال شاحب لوالدي من كثرة تمرسه في وحل العادة المحبوبة التدخين ثم أن إستوقفني طفل قطع عليَ الرحلة سعياً وقف أمامي بقصد إيقافي وتفرس فيَ بنظرة لوم المنتظر المترقب لأحلام القادم بيد أنه قد خاب ظنه لم أدري لماذا رماني بتلك النظرة ولكني بدأت أعي معناها بعدما أعطاني ظهره وغاب عن الوعي وارتمى على أرضي فرحت أرفعه من ترابه وإذ بالحارة تجتمع حولي ووجوه ونساء لم أعهدها علينا هذا المزيج من الإنزعاجات هو الذي أوجدني بهذا الحال الذي أخطه ولا أدري هل أنا في حالة من الإستغراق في ماضيَ أم أنني أعتصر الذكريات بغية أن أخلص إلى محاكاة نهائية لوساوسي دقت أجراس عربة الإسعاف معلنة حضورها وغياب الطفل وتم سحبه وانتشاله والذهاب به لوحدتنا الصحية بقريتنا الغراء وظلت نظرته لي تجتث الباقي من حيائي في مواجهة لذاتي أهو أنا من باع حلم الجمع ليظفر بحلم ذاتي أم أن النتيجة التي خلصت لها قبل رحيلي بعدم جواز الحلم لجمع أي جمع هي النتيجة التي لابد لنا من الوقوف عليها والإعتراف بها؟!

No comments: