Friday, December 7, 2007

الملاك الأسود

لاتستطيع أن تراه أو أن تشعر بوجوده إلا بين الجدران الرطبة رث المظهر ، ثقيل اللسان , له عينان كأن نورهما قد إنطفأ منذ قرون سابقة ، صوت شادي يخرج من بين تراكمات صخرية في الحلق ودويٌ لجلجلات مترنحة في أعماقه.
إستطاعبالأمس ، أن يخترق صوامعي اللزجة متحسساً لوحدتي برفق ، دائماً يداعب خيالاتي بانتهاك الفراق الذي أصابني ، دائماً يمرق ما بيني وبين أرصدتي الذهبية ، التي أحتجزها على رصيف مهجور ، من بين شقوق الجدران الهشة قام ليزعجني ، يرصد كل رقميات العجز ؛ يتبني أضرحتي بلا مقابل سوى أنه يرتشف منها العمق لحياة قادمة فيَ ، وأنا لا أفهم!
غصة في الحلق تزدري برحيلي وتقدم لي معطيات غير التي أألف ، نتراص بها جميعاً ، وتساوينا شرطتي المساواة ، لنخرج بنتيجة ليست لنا، بل لغيرنا ، غصة في الحلق قامت وانتهت في لحظة إسكاتنا.
قدلا أستطيع أن أتذكر "مالون آخر مشروب لنا في هذه الليلة الداكنة"؟ غير أني أعلم ؛ أنني دائماً أعطي لنفسي مساحات أكبر من التخيل ، بشكل أكثر حدة من ذي قبل ، للون جلدينا يذوب فينا ، ونذوب في مسامه الواسعة المشتركة.
جلست أعبئ مشاعري من جديد في أنصاف زجاجاته المبهرة ، أعطي لي في أول يوم زجاجته العطرية الفارغة ، أوصاني أن أشتمها ، وأداعب بها مناطق خيالاتي الداعرة من تحت أغطيتي – أتساوى في ذلك مع كل يوميات كتبتها تحت جسده الدافئ الذي إحتواني أكثر مما أثار ذعري – إمتلأت الزجاجة حتى نصفها ، ومررت بها فتحتي أنفي ، فلم أشتم رائحة جسده النئ ، غير أنني تسربت من بين أنامله ، لأغازله عند مضاجعة أخرى ، قرب آخر موعد للفراق.
ثمتركني ، وارتحل عني بجسده من عينيه ، كالعادة رحت أرتب من جديد ، وأنظم شكل أوعيتي وأدواتي فوق منضدتي ، ولكن عندما تنتحر أكوابنا الموضوعة في سرائرنا ، نحتوي الخيال فيها من جديد ، ليبعثنا مرة أخرى خناجر صغرى في يوم اللقاء الأول بعد صيام تلاقينا المتكرر.
تشتط خيالاتنا برمز السماء الأسود والساخر ، أرى نفسي عنده بلا إمتداد ، أصبحت أساوي ، لكن بدون مجدلية!
في اليوم الثاني ، أطلعني على بعض فصول من رواياته ، التي تذخر بها مكتبته الملاصقة لزفرة ألم مرة ، بدمعة من دموعه التي كانت دوماً تائهة ، أعطاني في هذا اليوم زجاجة بالية ، لم أعلم من نظرتي إليها سوى التوجع على زمن مروي بحنكة التفاصيل ، تجاعيد الغابات في حلقه يوماً بعد يوم ، وأنا لا أبالي ، فمن إعتاد على الغابات لا تسره الحدائق !!
عبأت بالزجاجة الجديدة ، ما تبقى من عبق اللحظات الخوالي ، وضممت عليها معطفي المنسدل مني ، قرب الركبتين فغطاها ببروز حالم فوق ثناياها ، واختفت للحظة ظننتها الوداع ، ولكن الوداع بدون مشيعين ، وداع حار والميت لم يحتفظ ببرودة أنامله ، ريثما يحتسب لنفسه بضع من الوقت الذي فيه ينتشي ، في لحظة إختراق تابوته السرمدي المحتوم .
رغبات الإنسلاخ ، لم أعثر عليها في داخلي قط ، غير أن هذا الإحتفاظ بذكريات مفارقة ، يرثي لحال ثيابنا التي خلعناها ، لنسير في شوارعنا مترهلين بشحوم مستعارة ، غصة في قلب كل من يرانا ؛ ونحن فخورين بهذا الترهل القوي المشين !!
ربماجاء اليوم الذي أكفر فيه كفر المناضد ، لم أعد بحاجة لإستبدال مواضع الأكواب وبعض خصل الشعر التي تغطي ملاعقي ، فالأجدر لمنضدتي ... الكسر!
عندهالم يعد منه سوى هذا الخيال الذي يظل عالقاً بعينيك بعدما تفارق نوراً عظيماً ، لم أعد أرى سوى ظلاً شاحباً في ظلام معلوم لدينا عند بدء النهار.
لم أعد بحاجة إلى مراجعة كراساتي الشحيحة المكتظة بالكلمات ، لم أعد بحاجة إلى مراجعة نفسي عند الوداع ، في ميناء السفر.
ضم جناحيه بسرعة تضاهي سرعتي في الخطأ وانطلق ، عبر آفاقي مخلفاً ذلك الشبح ، الذي أمارس معه يومياً كل ممارسات التبرك وانتعاشات الخدر

No comments: